???? زائر
| موضوع: دعاء الكروان ( نزف قلم : محمد سنجر ) 14/2/2011, 15:49 | |
| ( فتح صديقي نافذة غرفة مكتبنا المغلقة منذ شهور، تسلل صوت دعاء الكروان من فوق سطح إحدى البنايات ، داعب قلبي المتحجر ،فتح برفق أبوابه الموصدة ،تسرب حنين الذكريات بين حناياه اليابسة ،أحسست برغبة في التقاط أنفاسي ،امتدت أصابعي إلى ربطة عنقي التي أحكمت الخناق حوله تفكها ، أزحت لوحة مفاتيح الكمبيوتر بعيدا و انتفضت واقفا ، أتاني صوت صديقي ) ـ على فين يا ريس ؟ ـ مروح . ـ طب ما لسه بدري ، استنى الساعتين دول و نروح سوا . ـ لا كفاية كده قوي ، أنا رايح البلد . ـ أيوة يا عم ، رايح تبل ريقك ؟ أمـــــوت و أشوفها . ـ هي مين دي إن شاء الله ؟ ـ أيوة ياله استهبل استهبل ، البت اللي بتخليك تسيب اللي وراك و اللي قدامك و تجري تروح لها .... ( قلت بينما أرتدي معطفي ) ـ و الله ما أنت فاهم حاجة ، سلام ... ـ طب و الشغل المتلتل على رأس أبونا ده ؟ ـ إياكش يولع بجاز . ـ طب أقول إيه ل (عز ) بيه ؟ ـ قول له مات ، جت له شوطة خدته ، اتصرف ، دي مشكلتك أنت .... ( انطلقت خارجا ، تسللت من تحت الكتل الخراسانية التي طبقت على صدري لسنوات ، أدفع هذه الأبواب المعدنية الميتة من طريقي ، أخرج إلى الشارع أستنشق نسيم الحرية ، أملأ صدري ... أخذت أسعل بشدة ، ملأ صدري عادم السيارات اللعينة ، هذه الصناديق المعدنية المحمولة على عجلات ، تنفث سمومها طوال اليوم فتحيل الحياة جحيما ، نظرت إلى هذه الغيمة من أبخرة البنزين التي حجبت الرؤية حولي ، وضعت منديلي فوق أنفي و جريت فارا بنفسي ، صرخات أبواقها أخذ يلاحقني ،تسللت يدي بسرعة إلى جيبي ، انتزعت قطعا من منديل ورقي أحشو بها أذني ، حاولت الابتعاد عن هذه الطرق الإسفلتية السوداء ، صعدت أول جسر لعبور المشاة ، هبطت الناحية الأخرى عند محطة القطار ،جريت ألحق بالقطار الذي بدء يتحرك بالفعل ،جلست بجانب النافذة أنظر إلى هذه المكعبات الجامدة ،أخيرا فلتنا من بين فكاك المدينة الموحشة ،تسلل بنا القطار برفق بين الحقول ،حملتني الذكريات فوق جناحيها تسابق القطار ،هبطت بي بين حقول الطفولة ،وجدتني محمولا على كتفيه ،سألته على استحياء )ـ على فين يا با ؟ـ مش كان نفسك تعوم ؟ـ آه ....ـ طيب خلاص ها أعلمك ....( انهلت على رأسه أقبلها غير مصدق )ـ بجد يا با ؟ـ أنا عمري وعدتك بحاجة و خلفت ؟ـ عمرك .ـ طيب خلاص .( وقف فوق الجسر الخشبي و صرخ )ـ يلا عوم .( قذفني في الماء ، صرخت )ـ لأ يـــا بـــــــــــــــــــا ، ما بعرفش أعــــــــوم .......( ارتطمت بالماء و غصت أغرق ،انسحبت روحي ، حبست أنفاسي ،أخذت ألوح بيدي و قدمي يمينا و يسارا ،فجأة أحسست بشيء يرفعني لأعلى ،وجدتني أطفو فوق سطح الماء ، وجدته يحملني فوق ساعديه )ـ ما تخليك راجل أمال ...( حاولت لملمة الحروف )ـ أصل ... أنت .... رميتني فجأة ... ما كنتش واخد بالي ....ـ ما هو لازم كده عشان تتعلم .... يلا حرك أيدك و رجلك ....( أخذت ألوح بيدي و قدمي بينما يحملني على ساعده ،فجأة ، وكزني الجالس جواري بالقطار )ـ إنت نازل فين يا أستاذ ؟( أفقت على تحرك القطار ثانية )ـ شربين .....ـ ما هي دي شربين ، إلحق انزل بسرعة.... ( نظرت حولي فإذا بالقطار يتحرك ، جريت إلى الباب بينما صرخ الجالسون )ـ حاسب يا اسطى .....( قفزت من القطار بسرعة ،تابعني بعض الركاب مطمئنين ،الحمد لله نزلت بسلام ،رفعت يدي ملوحا متمنيا لهم السلامة ،انتظرت حتى مر القطار ، عبرت السكك الحديدية ،انزويت من بين الأشجار إلى طريق ترابي صغير ، متسللا بين الحقول ، أحسست ببرودة بعض قطرات ماء تتساقط على وجنتي ، نظرت إلى السماء و إذا بالمطر و قد بدء يهطل على استحياء ، طارت العصافير و الحمائم تحتمي بأعشاشها ، رائحة المطر تداعب أنفي ، عبقت رائحة الأزهار الكون من حولي ، ازداد المطر هطولا ، انزويت محتميا بإحدى الأشجار ،أخذ المطر يتساقط بغزارة ،ضممت المعطف طلبا للدفء ، أخذت أتابع القطرات التي بدأت تتجمع حتى سالت خلال قنوات صغيرة إلى المستنقعات المنخفضة حول الأشجار ،بدأت المياه ترتفع من حولي ،ما العمل الآن ؟تسربت المياه إلى داخل حذائي ،هل سأبقى هكذا ؟ على ما يبدو أن المطر لن يتوقف ،عندها عزمت على تكملة رحلتي تحت الأمطار ،تحركت في اتجاه بلدتنا التي تتوارى خلف الحقول في الأفق هناك ،حاولت التقدم بين الأوحال ،مع كل خطوة أجتهد لنزع حذائي من بين الطين ،فلتت قدمي اليمنى من الحذاء الذي أطبق الوحل عليه فظل ثابتا دون حراك ،غاصت قدمي في الطين ،لا حول و لا قوة إلا بالله ،عدت ثانية محاولا استرداد الحذاء فإذا بقدمي الأخرى تفلت لتغوص هي الأخرى ،لم استطع السيطرة على ضحكاتي فانطلقت تقرقع في الفضاء ،حملت الحذاء بيدي و رحلت أكمل طريقي ضاحكا ،حاولت الصعود للأماكن المرتفعة التي لم يغرقها الماء بعد ، فجأة ، انزلقت قدمي ، اختل توازني ، فسقطت ممددا في الوحل ،ارتطم وجهي يغوص بالطين ،انفجرت في الضحك ،لم أجد أمامي بد من الفرار ، عندها انقلبت ممددا على ظهري بالوحل أضحك ،اغتصب سمعي صوت جرس هاتفي المحمول ، حاولت الجلوس حتى نجحت ، أخرجت الهاتف من جيبي ، دست مفتاح الاتصال ، وضعته على أذني ) ـ نعم . ( جاءني صراخ صديقي ) ـ محمد ، تعالى بسرعة عشان (عز) بيه جه و قاعد يزعق و قالب الدنيا ............( عندها ، أخذتني نوبة من الضحك ، فألقيت بهاتفي في المياه المتجمعة حولي ،لكنه طفا فوق سطح الماء فسمعت طلاسم صوت صديقي )ـ بللق ... بللق .... بللق ....( أخذتني نوبة من الضحك ) ـ اسكت أحسن لك .... هاهاها .... ـ بللق .... بللق .... ـ ما فيش فايدة ؟ طيب ، تستاهل بقى اللي يجرى لك .... ـ بللق .... بللق ..... بللق .... ( أمسكت بالهاتف مرة أخرى و أغرقته بالقاع داخل الطين ) ـ بس بقى ، إنت إيه ؟ ما بتزهقش ؟ ما تبس بقى ، بس ، بس ....... ( أخيرا اختفى صوته ، تحسست الطين حولي ألتمس حذائي حتى نجحت فرفعته ، فإذا به و قد ملأه الماء و الطين ، رفعته أفرغ ما فيه فوق رأسي ، فسال على وجهي و جسدي ، أخذت أردد ما قاله صديقي إيليا أبو ماضي )ـ نسى الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها و عربد ........( يتبع ) |
|