( طرقات قوية أيقظتني من نومي فزعا ، انطلقت صرخة طفلي الرضيع مذعورا تشق صمت الليل ، هممت باستبيان الأمر ، صوت انكسار الباب شل حركتي ، أعمى عيني أضواء مصابيحهم القوية ، اغتصب سمعي صوته الجهوري ) ـ فز قوم يا ابن الوزة .... ( صرخات أطفالي و زوجتي و أخواتي حالت دون سماع بقية موجات لعناتهم المتتالية ، وجدتني مجرورا على الأرض في اتجاه الباب ، باءت كل محاولاتي للمقاومة بالفشل ، انهالت زوجتي بالشبشب على رؤوسهم ) ـ سيبوه يا زبالة يا ولاد الزبالة ، واخدينه على فين ؟ ( سدد أحدهم إليها ركلة قوية في بطنها فطارت ملتصقة بالجدار ، جرى الأطفال إليها يصرخون ، ركلني أحدهم بقوة فسقطت متدحرجا على دركات السلم ، ألم رهيب سيطر على جسدي نتيجة ارتطامي بزوايا السلم الخشبي الحادة ، لا أعلم كم من الوقت مضى و أنا غائب عن الوعي ، استيقظت على أصوات بعض النساء و الرجال الذين التفوا حولي ، نظرت هنا و هناك أحاول استبيان الأمر ، فإذا بنا داخل غرفة مظلمة إلا من شعاع ضوء خافت متسلل من إحدى نوافذها العالية ، بدأت الرؤية تتضح بعيني شيئا فشيئا ، الكثير من الناس يقفون هنا و هناك ، تحرش بسمعي بكاء بعض النساء الجالسات ، اكتظ المكان بالمساكين أمثالي ، ناولني أحدهم إناءا معدنيا صدئا ) ـ اشرب اشرب ، حمد الله على السلامة .... ( رفعت الإناء أفرغ ما بداخله بجوفي ، شدة الظمأ جعلتني أتناسى هذه الرائحة العفنة للسائل الذي أتناوله ، حاولت السيطرة على هذه الرغبة التي بدأت تتأجج بمعدتي لإفراغ ما بداخلها ، أين أنا ؟ ماذا حدث ؟؟؟؟ و إذا بصوت أظن أنني أعرفه يداعب سمعي ) ـ حتى أنت كمان يا أستاذ ؟ ( التفت ناحية الصوت و إذا بالخالة لبيبة تجلس بجواري ، صرخت فرحا ) ـ خالة لبيبة ؟ خالة لبيبة ؟ ـ حتى أنت ما سلمتش من إيديهم ؟ ـ مين دول ؟ ـ ولاد الكلب اللي جابوك هنا .... ـ هو إحنا فين بالظبط ؟ ( أخذتها حالة هستيرية من الضحك حتى استشرى الضحك بين الجموع ، حاولت الخالة لبيبة التماسك للرد على سؤالي ) ـ ها ها ها ، إحنا في الهيلتون يا أستاذ ( انفجر المتواجدون ثانية في الضحك) ها ها ها ، تحب نعمل لجنابك إيه على العشا ؟؟؟؟؟ ها ها ها .... ـ كده برضه ؟ الله يسامحك .... ـ طب قولي أنت ، أرد عليك أقولك إيه ؟؟؟؟؟ ـ لا و لا حاجة طب احنا إمتى و فين ؟ ـ إحنا سنة ألفين و خمسة و تلاتين ، أما بقى احنا فين ؟ ففي المعتقل يا سعادة البيه ، مش شايف بعينك الزبالة اللي رمونا فيها ؟؟؟؟؟ ـ معتقل ؟ طب و يعتقلونا ليه إن شاء الله ؟ هو أنا عملت لهم إيه ؟؟؟؟؟ ـ مش لازم تكون عملت ، ما تخافش هما ها يخلوك تعمل غصبا عن أبو خاشك .... ـ أعمل إيه لا مؤاخذة ؟ ـ تعملها على نفسك ، هاهاهاهاها ( انفجرت في الضحك ) ـ هي طالبة معاك ظرافة ع الصبح و إلا إيه بالظبط يا ولية أنتي ؟؟؟؟؟ ـ ما هو إنت اللي بتسال أسئلة غريبة ، الجماعة دول مش محتاجين إن سيادتك تعمل حاجة أصلا عشان يودوك في ستين داهية ، هما مرتبين لك كل حاجة ، و مفصلين لك حاجة على مقاسك و كل ما عليك تلبس و تقعد و تتهنى ، شفت مريحينك ع الآخر إزاي ؟؟؟؟ ـ آآآآآآه ، فهمت ، يعني كلنا كده في الشخرمة لا مؤاخذة ؟؟؟؟؟ ـ الله ينور عليك ، حمد الله ع السلامـــــــة ....... ـ طب و عيالي و مراتي ؟؟؟ ـ ربنا يتولاهم بقى ، إنت شوف نفسك الأول ، بس ادعي ربنا كده إنك ما تستحلاش القعدة و تطول عشان ما تتعذبش كتير و تخلص بدري بدري .... ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، معقولة الكلام ده ؟؟؟؟ ـ و مش معقولة ليه ، كل يوم يدخلوا علينا يصطادوا لهم تلاتة أربعة مننا و ما يرجعوش تاني ..... ـ و تهمتي إيه بقى إن شاء الله ؟ ـ لاااا من الناحية دي اطمن ، ها يفصلوا لك تهمة برضه على مقاسك بالظبط ، ما تقلقش إنت بس ... ـ ليه ؟ هي سايبة و إلا سايبة ؟ ما فيش قانون في البلد ؟ ـ قانون إيه يا أبو قانون ، قانون إيه يا أبو قانــــون ، تكونش فاكر نفسك في بلد الأمن و الأمان ؟؟؟؟ ههههههه ده كان زمان و جبر و طلع لك في قفاك وبر ، دلوقتي بقت بلد الكوسة و البتنجان ، ما خلاص خلصت خلاص ، مش قعدتوا تقولوا ( كفاية كفاية ) لحد ما خربوتوها و قعدتوا على تلها ؟؟؟؟ استلقى وعدك بقى ، مش هما دول اللي قعدتوا تقولوا إنهم ها يصلحوا البلد ؟؟؟؟ فاكر لما قعدتوا تقولوا ( التغيير التغيير ها يخلي الرغيف ده كبير ) ؟ أدينا سمعنا كلامكم و غيرنا ، حصل إيه بقى ؟ تقدر تقول لي ؟ و إلا ( ما حصلش لسه ) على رأي نيللي ؟ بالعكس ، أهي بقت أظرط م الأول عشروميت مرة ، الديون ؟ أهي زاطت و بقت أكتر من الأول ، الفقر ؟ أهو زاد و غطى و ما بقناش لاقيين حتى ورق الشجر ، الدولار ؟ أهو بقى بتلاتة و عشرين جنيه و نص ، الأمراض ؟ إلا ما فيه حد فينا إلا عنده كوكتيل ، إيشي سرطان على دبحة على بلهاريسيا على كبدي على سكر و ضغط و فشل كلوي ، البطالة ؟ أهي الرجالة و الستات زي ما أنت شايف قاعدين لا شغلة و لا مشغلة ، و أهو الطلاق و العنوسة و الرشوة و المحسوبية و البلطجة و الجواز العرفي و التحرش و الجريمة زادوا عن الأول شخروميت مرة ، قلت لك م الأول يا أستاذ العيب فينا إحنا ما سمعتش كلامي ، إحنا أوس البلاوي و إحنا اللي عايزين ( تغيير ) و إحنا اللي ( كفاية ) ، إحنا اللي نستاهل ضرب الجزم ، إحنا اللي بنسرق و إحنا اللي بننهب في البلد و إحنا اللي بنخرب و نبوظ ، قلت لك من الأول إن إحنا اللي ناقصين رباية ما سمعتش كلامي ، يا ريتكم كنتوا سمعتوا كلامي م الأول ، يا ريتكوا سمعتوا كلامي ، و يا ريتها كانت دامت ، يا ريتها كانت دااااااااااااامت ، الله يرحمه و يرحم أيامه ، الله يرحمك و يرحم أيامك يا مبـــــــارك ، الله يرحمك و يرحم أيـــــامك يا مبـــــــــــــــــارك .......